
غاندي بو دياب
الرجل وراء العمل
على مر الزمن، استخدم الفنانون الطبيعة كحافز لخلق أشكال مختلفة من الفن. يمكن أن توفر الطبيعة أشكالًا لا حصر لها من الإلهام، ويمكن أن تكون موضوعًا حاسمًا في العديد من أشكال الأعمال الفنية. غاندي بو دياب فنان يمتلك الطبيعة. يتماهى مع إيقاعها، من خلال الجهود التي رفعت مستوى الإتقان الذي مكنه من التعبير عن نفسه بلغته الخاصة. لقد استخدم الطبيعة في إبداعاته، مثل الخشب والطين والماء والحجر، وهي كلها وسائل طبيعية.
في بلدة الجاهلية الشوف قبل ثلاثة عقود، بدأت مسيرة شاب موهوب عشق الشعر والنحت والرسم. واكتشف بها في قريته كهفاً يعود تاريخه إلى العصر العثماني قبل نحو 400 عام. والكهف عبارة عن ثلاثة أقبية من العقد متاخمة لمساحة 1500 متر مربع وتحيط بها حديقة تراثية.
بدأ ورشة عمل لإعادة تأهيل الكهف، وفي هذه العملية اكتشف مغارة إضافية على شكل مغارة ضيقة يبلغ عرض جدرانها مترين وارتفاعها متر ونصف. فعمل على حفر الصخرة لعمق متر ونصف بطريقة فنية لفتح المكان دون المساس بأرضيته الصخرية الملتوية والحفاظ على المعالم التاريخية للتخطيط.
أعاد غاندي الأقبية التقليدية إلى “كهف الفنون” بشكله الحالي، مزينا بلوحات غاندي الزيتية المستوحاة من مهد سنوات العمل والتعب. وقد حولت هذه الإنجازات العظيمة من حياة القرية اللبنانية بشخصياتها وعاداتها، فبالإضافة إلى المنحوتات الفنية، استخدم جذور الأشجار القديمة وجعلها تعبر عن الرسم. لقد كان قادرًا على إضفاء الحيوية على جوانب الطبيعة في لوحاته. لقد سمح عمله للناس بفهم الطبيعة بأشكال مختلفة وجمع الناس معًا.
إلا أن غاندي لم يتوقف عند هذا الحد، ولا يزال يحلم بمشاريع مستقبلية تجعل من “كهف “الفنون” فضاء لا يعرف الملل والروتين، ولا يكاد يمر يوم إلا ويبني جدارا حجريا، أو ممرا ترابيا، أو مدفأة قديمة. تم الانتهاء من قبو جديد على شكل قطار به حفر في السقف مثل تاج المدخنة مزود بزجاج ملون يعكس حركة الشمس والإضاءة الملونة بالداخل.
هذا، إلى جانب أنفاق الصخور والأنفاق الترابية وممرات الحجر الجبلي، ستقودك إلى مكتبة تحولت إلى خلية ثقافية لجمع الموسوعات الأدبية والفكرية ومكان لإقامة الخلوات الثقافية والموسيقية وغيرها.
ولا يمكن زيارة “مغارة الفنون” دون تذوق أكلات القرية اللبنانية المحلية، فقد بني أفراناً من الطين لشواء وطهي طعام القرية والمنقوشة البلدية. هذا بالإضافة إلى الأشجار المثمرة التي زرعها في حديقة الكهف ومحيطها، نظراً للتنوع البيئي الذي يجمع 40 نوعاً من الأشجار والنباتات. وما يجعل هذا المكان أكثر روعة وتنوعا هي المزارع السمكية التي حرص غاندي على ترك مساحة دافئة بين هذه التحف الطبيعية والفنية.
حقا هناك ما يستحق الزيارة لما ينجزه الفنان بقدرات فردية نادرة وموهبة وتحفيز، والأهم من ذلك، عزم ثابت على الابتكار رغم الأزمات التي تمر بها البلاد، في نموذج شجاع للصمود مع الفنون والبناء والثقافة. والجمال.